يمرُّ الإنسان منذ ميلاده بعدةِ أطوار ومراحل حتى يصل إلى مرحلة النُّضج والرُّشد، وتُعَدُّ مرحلة المراهقة من أهمِّ المراحل التي شغلت علماء النَّفس والمتخصصين؛ لِمَا لها من خصائص، وما يصاحبها من تحديات ومشكلات، ولعلنا من خلال هذه الأسطر نستعرض بعض هذه المشكلات، ونحاول أن نجد لها بعض الحلول التي تساعد على تخطِّي هذه المرحلة الصعبة بسلامة وطُمأنينة، دون أن تترك آثارًا سلبية في حياة أبنائنا
ما هي المراهقة؟
المُراهقة مُشتقَّةٌ من مادَّة “رهق”، والرَّهَقُ: جهل في الإِنسان وخِفَّة في عقل، وإِنه لَرَهِقٌ أَي: فيه حدَّة وسفَه، ورَهِقَ فلان فلانًا: تَبِعه فقارَب أَن يَلْحَقه، وأَرْهَقْت الرَّجل: أَدْركْته
وراهق الغلامُ فهو مراهِق إِذا قارب الاحتلام. لسان العرب (١٢٨/١٠)
فكلمة “المُراهقة” في اللغة تدُلُّ على قُرْب البلوغ مع ملاحظة ما في معناها من قِلَّة العقل، والطيش، والسَّفَهِ
أما المُراهقة في علم النفس فتعني: “الاقتراب من النُّضج الجسمي والعقلي والنَّفسي والاجتماعي”، ولكنه ليس النُّضج نفسه؛ لأنَّ الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنُّضج العقلي والجسمي والنَّفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النُّضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى ١٠ سنوات
وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني “بلوغ المراهق القُدْرة على الإنسال، أي: اكتمال الوظائف الجنسيَّة عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسيَّة، وقدرتها على أداء وظيفتها”، أما المراهقة فتشير إلى “التَّدرُّج نحو النُّضج الجسمي والعقلي والنَّفسي والاجتماعي”
وعلى ذلك فالبلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنَّه من النَّاحية الزَّمنيَّة يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة. المراهقة ألم وأمل لوليد كمال ص (٥).
أبرز مشكلات المراهقة
أولًا: مشكلة فقدان الهُويَّة :
فكثير من الأبناء في سنِّ المراهقة يدور في عقله كثيرٌ من الأسئلة التي تتعطَّش إلى إجابات شافية، فيتساءل: مَن أنا؟ وإلى أين أتجه؟ وما الهدف من الحياة؟
ومثل هذه الأسئلة ينبغي أن يجد لها أبناؤنا إجابات عند الآباء والمعلمين والدُّعاة؛ لأنَّ الإجابة على مثل هذه الأسئلة الوجوديَّة تُؤثِّر بشكل كبير في حاضرهم ومستقبلهم، وتُشَكِّلُ عقولهم وهويتهم، وإن لم يجدوا عند آبائهم ومعلميهم الإجابة الصحيحة فسيجدون عند المفسدين والمُضَلِّين الإجابات المنحرفة!
ثانيًا: الصِّراعات الدَّاخليَّة:
إنَّ انتقال الطِّفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والمراهقة، وما يصحبه من تغيرات فسيولوجيَّة ونفسيَّة يفرض عليه الكثير من الصِّراعات الداخليَّة، حيث تتنازعه مخلفات الطفولة من جهة ومتطلبات الرجولة أو الأنوثة من جهة أخرى، كما تتنازعه الصراعات بين غرائزه الداخليَّة وبين الالتزام بالأوامر الدينيَّة والتقاليد المجتمعيَّة، إلى غير ذلك من صور الصراعات التي تدور في نفس المراهق.
لذلك ينبغي لكلِّ مُرَبٍّ أن يدرك ويتفهم طبيعة هذه الصراعات التي يتعرض لها المراهق، ويحاول أن يُخفِّف عليه من حِدَّة هذه الصراعات، عن طريق التَّوجيه السَّليم، وإيجاد قدوة حسنة يقتدي بها المراهق، مع غرس الجانب الإيماني في قلبه، والتَّعلُّق بالله عزَّ وجلَّ.
لقد جاء شابٌّ يستأذن النبيَّ ﷺ في الزنا ومع ذلك لم ينهره النبيُّ ﷺ ولم يُوَبِّخْهُ، بل أجابه الإجابة المقنعة، ودعا له بالهداية.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ.
فَقَالَ: (ادْنُهْ)، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا.
قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: (أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟).
قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ!
قَالَ: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ).
قَالَ: (أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟).. (أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟).. (أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟).. (أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟)..
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ».
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. [مسند أحمد (٢١٧٠٨) – الصحيحة (٣٧٠)].
ثالثًا: التَّمرُّد والعناد:
إنَّ شعور المراهق بأنَّه أشرف على مرحلة جديدة من حياته، يُوَلِّدُ لديه نوعًا من التَّمرُّد على الآراء والأوضاع الاجتماعيَّة المحيطة به، وأنه أصبح ذا رؤية مستقلة وفلسفة مختلفة نابعة من ذاته، وهذا يدفعه في كثير من الأحيان إلى رفض آراء الآخرين والعناد، ومحاولة فرض رأيه على مَن حوله.
وهذه المشكلة تفرض على الآباء والمُرَبِّين ضرورة التَّحلِّي بالحِلْم، وسَعَة الصَّدر، ومقابلة هذا التَّمرُّد والعِناد بالمناقشة، والحوار المنطقي، والبُعد كل البُعد عن الحِدَّة والتَّصادم؛ حتى لا يزدادَ الأمر سوءًا .
إقرأ المزيد :