لم يكن تاريخ 28 أبريل 2022 مجرد يوم عادي نمر عليه مرور الكرام، فقد تميز هذا اليوم بزيارة فريدة من نوعها لرجب طيب أردوغان الرئيس التركي للملكة العربية السعودية بعد انقطاع دام 5 سنوات، كانت أشبه بقطيعة رسمية بين كل من تركيا والسعودية.
وقد جاءت هذه الزيارة في ظل مسار أُريد به التقارب التركي مع عدة أطراف إقليمية، وذلك لدعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وهنا السؤال ما الذي سيترتب على هذه الزيارة من انعكاسات على مستقبل البلدين في الفترة القادمة.
لمحة تاريخية عن العلاقات بين البلدين
لم تكن العلاقات السعودية والتركية في أفضل حالاتها على مر العقود، وهذا يرجع لعدة أسباب تاريخية وثقافية وربما جيوسياسية، ولعل السبب يعود إلى الاختلاف الكبير في بنية الدولة ونظام الحكم فيها إلى جانب علاقة الدين بالسياسة.
لكن بمجرد أن آلت أمور الدولة التركية إلى حكم حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، حتى أقدم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عام 2006 بزيارة لتركيا يدشن فيها مرحلة جديدة بين البلدين، إلا أن الأمور لم تستمر على ما يرام مع بداية اندلاع ثورات الربيع العربي، وما تلاها من أحداث على المنطقة بأسرها، مما جعل تركيا والسعودية تقفان على طرفي نقيض لبعضهما في مواجهة غير مباشرة في العديد من القضايا الإقليمية.
أسباب القطيعة بين تركيا والسعودية
يمكنك تلخيص أسباب القطيعة بين الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية بسببين جوهريين وهما كالآتي:
السبب الأول:
مع بدء الأزمة الخليجية وتوتر العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث وقفت جميع الدول الخليجية ضد دولة قطر وقفت تركيا مساندة لقطر في هذه الأزمة، وقدمت الدعم السياسي والاقتصادي لها، وهذا ما رأت فيه الرياض تدخلاً مباشراً من تركيا ضد مصالحها.
السبب الثاني:
لاقت قضية قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، اهتماماً كبيراً من تركيا لكشف ملابسات الجريمة ومحاسبة المتورطين، وهذا ما جعل الرياض ترى في هذا الاهتمام تشهيراً بها واستهدافاً مباشراً لها، على الرغم من أن الرئيس التركي لم يصرح بشكل مباشر عن اتهامه للسعودية حكومة أو شعباً عن تورطها في هذه الجريمة، كما أنه أعرب عن ثقته الكاملة بالأسرة المالكة في السعودية والملك سلمان على وجه التحديد.
نستطيع القول اليوم إن الملفات الثلاثة قد تراجعت بشكل ملحوظ، فالربيع العربي وتداعياته أصبحا خلف ظهر القوى الإقليمية، والأزمة الخليجية قد انتهت على الأقل بشكل رسمي، وتم إعادة قضية خاشقجي مؤخراً للقضاء السعودي بعد أن أعلنت أنقرة السنة الماضية تأييدها للأحكام التي أصدرتها الرياض ضد المتهمين.
وتأتي زيارة أردوغان تأتي في سياق تقارب وتواصل بلاده مع عدد من خصومها خلال السنوات الماضية، وكان في مقدمتهم الإمارات ومصر وإسرائيل وأرمينيا واليونان، وهو يعد مساراً مدفوعاً بعدد من الأسباب والتطورات الدولية والإقليمية والمحلية مثل:
- الإدارة الأميركية الجديدة وتوجهاتها لا سيما بخصوص المنطقة وحلفائها.
- الاتفاق المحتمل بين كل من إيران والمجتمع الدولي بما يخص مشروعها النووي
- تداعيات جائحة فايروس كوفيد 19.
- الغزو الروسي على أوكرانيا وتداعياته على اقتصاد المنطقة والعالم بأسره.
- الانتخابات المفصلية التي تنتظرها تركيا في يونيو/حزيران 2023.
ماذا بعد الزيارة؟
الجدير بالذكر أن السعودية كانت آخر الخصوم الذين أرادت تركيا تحسين علاقتها معها، حيث كانت زيارة أردوغان للرياض بعد جولات من الحوار والقرارات مع مصر وزيارة لولي عهد أبوظبي لأنقرة قبل أن يقدم أردوغان على زيارة الإمارات، كما استقبل الرئيس الإسرائيلي والرئيس اليوناني.
وأعلن أردوغان منذ يناير الفائت أنه بصدد زيارة السعودية في فبراير لكن هذا الأمر لم يتم، وفي ذلك إشارة صريحة إلى أنه لا تزال هناك قضايا شائكة بين البلدين لم يتم حلها، وربما كان للسعودية شروط مسبقة لتعيد العلاقات بين البلدين، كما أن إغلاق ملف مقتل الإعلامي خاشقجي من قبل أنقرة أوحى إلى أن الزيارة باتت وشيكة بغض النظر إن حدث ذلك بمبادرة ذاتية من تركيا أو تلبية لشرط سعودي.
هذا وقد جاء الإعلان عن الزيارة من الطرف التركي حصراً ولم تحتف وسائل الإعلام السعودية بها، كما أنها لم تتناولها بتوسع إلا فيما بعد على عكس الإعلام التركي، بل إن قناة “الإخبارية” السعودية حرصت على تصدير الخبر بأن الزيارة قد جاءت تلبية لرغبة الرئيس التركي وليس تلبية لدعوة الملك سلمان كما قال الأخير. وفي هذا دلالة واضحة على الحماس التركي وسعيه لحل كافة القضايا العالقة بين البلدين إلا أن هذا الأمر لا يتم بمجرد زيارة أردوغان للملك السعودي.
العلاقات الاقتصادية
يبقى الاقتصاد هو العنوان الأبرز للزيارة والمستهدف الأهم منها وفق ما تم الإعلان عنه، حيث يسعى الرئيس التركي لفتح صفحة جديدة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وتم الاتفاق على إعادة تفعيل إمكانات اقتصادية كبيرة مع المنظمات التي ستجمع بين مستثمرين تركيين مع مستثمري المملكة العربية السعودية.
العلاقات السياسية
من اللافت أيضاً أنه لا بد أن يتم الإشارة إلى أهمية ترميم العلاقات السياسية حتى نحصل على أفضل العلاقات الاقتصادية فهما وجهان لعملة واحدة، ولكل منهما تأثير هام على الآخر، وتسعى تركيا لتهدئة سياسية مع الخصوم لنقلهم إلى مساحة الأصدقاء، مما يساهم في تقليل تحديات السياسة الخارجية وتخفيف الضغوط على تركيا.
قد لا تثمر العلاقات التجارية مع السعودية بما يعتبر الحل الأنجح والنهائي لتعثر الاقتصاد التركي، ولكنها ستفيد في تقوية الليرة التركية عبر توفير العملات الصعبة من الاستثمارات.
لا يزال الغموض سيد الموقف، فلم تروي التصريحات التي تلت الزيارة فضول الصحفيين في معرفة ما سيحصل في الفترة المقبلة، ويرجح البعض أن العلاقات السعودية التركية قد لا تعود بشكل سريع كباقي الدول.
لكن الجميع الآن ينتظرون زيارة رفيعة من السعودية لأنقرة علها تجيب عن أسئلتهم وتضع حداً لهذا الغموض بسبب التصريحات المقتضبة، لكن قد يشير رفع الحظر السعودي عن البضائع التركية عن نية الرياض في إعادة العلاقات.
في الختام يبقى السؤال الأهم لدى الجميع هو ما إذا كانت السعودية تنوي ترميم علاقاتها مع تركيا بنفس الحماس التركي أم أنها حريصة على القيام بخطوات أولية وانتظار نتائج الانتخابات التركية في حزيران العام المقبل.
إقرأ أيضاً :