بقلم العميد الدكتور عبدالله الأسعد ــ ألوان نيوز
بداية إذا ما أبتعدنا قليلاً عن ميزان النصر والهزيمة في نظام المعارك وقتال الجيوش بعد تدمير الطراد الروسي موسكافا السفينة الحربية الأكبر في إسطول البحر الأسود الروسي ، نجد بأن كل ما يأتي من إدعاءات بالنصر المظفر لدى بوتين ما هوإلا عبارة عن هشيماً تذروه الرياح.
التاريخ الروسي :
إن كارثة موسكفا” الإرث السوفياتي البائد والتي أصبحت أثراً بعد عين ، أصبحت نكسة في التاريخ الروسي ، وبالفعل هي حقبة تاريخية أكثر مما هي حربية، فـ “موسكفا” القاذف للصواريخ الذي وضع في الخدمة الثمانينيات إبان الحقبة السوفياتية ، وتمتاز بصفات تعبويه وقتالية من الطول البالغ 186 مترا، والمزودة بـ16 صاروخا مضادا للسفن من طراز بازلت/فولكان وصواريخ فورت ونسخة بحرية من صواريخ اس-300 طويلة المدى وصواريخ أوسا قصيرة المدى، كما يحمل قاذفات صواريخ ومدافع وطوربيدات
الطراد الحربي موسكفا” الذي كان يحمل اسم ” سلافا” تعني “المجد”، ولا مجد للروسب بعد اليوم ، والذي شهد بعدها التحوّل الأكبر في القرن العشرين، بعد البيرويستريكا التي نقلت العالم من الحرب الباردة، إلى أحادية القطب الواحد ومن بعده سقوط جدار برلين، فعلى هذه السفينة الحربية موسكافا صعد جورج بوش الأب، ومعه غورباتشيف ليقولا للعالم ( لاحروب بعد اليوم) فلا الحروب انتهت، ولا الصراعات نامت، وروسيا العجوز الشمطاء التائهة ما بين أمجاد القيصر ورجال المافيات الذين باعوها سلاحًا وثروات.
لطراد “موسكفا” رمزية عالمية جال العالم بمناورات عسكرية كثيرة ، وزار الكثير من الموانئ الأوروبية والآسيوية والإفريقية سقوطه يعني سقوط أحلام القوة ، رموز القوة ، ولهذا كان لغرق “موسكفا” ضجة إعلامية، فالإمبراطوريات تسقط أولاً بسقوط رموزها، ومن بعدهما قد تسقط القوة بعد انكسار جوانحها الرمز، والحلم ، ومن بعده بسقوط جنودها، ومن بعد هذا وذاك، تسقط في هيبتها، وثمة من يعتقد اليوم أن سقوط “موسكفا” ليس سقوط طوربيد بحري يصطاد المدن كما يصطاد الأسماك البحرية .
فكر بوتين المتطرف :
إنطلق بوتين في عدوانه على أوكرانيا مرتكزاً على العقيدة السوفياتية البائدة المستندة على إيديولوجية الفكر العسكري اللينيني الذي لا يحمل وزناً للإنسانية بأكملها، من أجل إظهار الغطرسة السوفياتية المنقرضة ، مذكراً أمريكا وأوروبا بالحروب التي خاضها الإتحاد السوفياتي سابقاً ضد أوروبا ، حيث الدموية المفرطة والقصف الجوي للأبنية المدنية، والنوايا العدائية لتدمير الجيش الأوكراني برمته أوإستسلامه، بالإضافة لرسائل سياسية للعالم ، تارة بحجة إسقاط النازيون الجدد، وتارة أخرى إعطاء الأوامر للعسكريين الأوكرانيين بتولي السلطة ، بعد أن انكشفت نواياه بقرار العدوان على أوكرانيا ، ويُزامن بوتين التطورات الميدانية مع التصريحات السياسية التي تنكشفت يوماً بعد يوم .وصولاً الى هدفه الأخير تفكيك الجيش الأوكراني وتحويل أوكرانيا الى دولة غير مسلحة .
بعد أن حدد بوتين ساعة الصفر وبدأت الأعمال القتالية وبالهجوم الجوي والصاروخي والمدفعي ، وتقدمت الدبابات والعربات المدرعة وفق فكرة المعركة التي تعتمد على التطويق والإحاطة وحصارالمدن الكبرى ، مقتبساً فكرته من فكرة المعركة السوفياتية التي شنها الجيش السوفياتي على الجيش الألماني في منطقة الكورتجاك مُنفذا إستراتيجية الإحاطة والتطويق الهادفة إلى خلق طوق عميق حول المدن الأوكرانية الكبرى كي يضطر الجنود الأوكرانيين الى الإستسلام وإلقاءالسلاح وتدمير من يتبقى من هذه القوات التي تبدي مقاومة شرسة وشل قدرتها القتالية وسحقها، وهذا ما تتبعه روسيا في دخولها الى خاركيف المدينة ذات الطابع الاقتصادي والعلمي والعاصمة السابقة والتي لم تنكشف حتى الأن غبار المعركة عن نتائج اجتياحها.
خسائر السوفيات في أفغانستان مقبرة الغزاة:
لاشك انه يجب ان لايغيب عن ذهن بوتين الهزيمة النكراء للإتحاد السوفياتي من أفغانستان عندما خرج صاغراً ذليلاً, فهو ربما يستطيع دول كييف ولكن لن يعرف كيف يستطيع الخروج منها. فالظاهر للعيان أن اوكرانيا لديها خطة مقاومة تعتمد على مبدأ المناورات الفردية والجماعات القليلة المتنقلة ، وهذا القتال التي تعتمد عليه المقاومة عندا لايكون تكافئ في القوى المتناظرة بعد السماح للجيوش النظامية بالتوغل في عمق الدفاعات والإنقاض عليه وتدميره بوسائط الـ م/د.
وإن فشل احتلال (خار كيف ) فهو يعني مؤشراً سلبياً على التهاوي وتنفيذ التقدم على محورين وتقدم الجيش الروسي الى ضفاف نهر دونيبر كجهة يمينية ، ومن اليسار التقدم من بحر أزوف والتي اصبحت قوات روسيا تحتل مار يوبيل حيث تتقدم هذه القوات بعد أن حققت نجاحاً قبلها في خروسون وسيعملان بالتعاون العملياتي القتالي ضفاف نهر دونيبر ، يستنتج من فكرة المعركة الهجومية بالتحرك لاحقاً من بحر ازوف الى خاركيف من الجنوب الى الشمال الى ضفاف الدونيبر غرباً نقطة الإلتقاء والتجمع و منطقة عمليات موحدة تنطلق منها العمليات العسكرية عملية إحاطة إستراتيجية عميقة لتطويق للقوات الأوكرانية وإذا مانجحت الخطة الهجومية لم يعد أمامها إما الأستسلام أو التدمير أو الانهزام والتقهقر باتجاه الدنيبر لإجتيازه الى غرب أوكرانيا .وهذا لم يحصل حتى الأن
في الواقع الجيش الأوكراني لم يقصر جهداً في المقاومة وينزل أفدح الخسائر في الجيش الروسي ولكن المعركة بحاجة إلى إمداد قتالي مستمر لديمومة المعركة ،و الوقت ليس لصالح أوكرانيا فالمعارك تسير دون توقف والجيش الروسي يسير وفق خطة الهجوم المرسومة ،و حتى لو أن الحيش الأوكراني أبدى قوة بطولية واستطاع ان يؤخر هجوم الجيش الروسي ويوقع به خسائر فادحة ، فأوكرانيا في سباق مع مجريات الواقع الدراماتيكي الروسي الذي بدأ بتحريك قواته من العمق وحرك ثلثي قواته الى الحدود مع أوكرانية وماحولها ويعمل على تطويق المدن الهامة وقطع الإمدادات عنها ، ويمكن القول أنه من الصح بمكان أن الجيش الأوكراني إستطاع تغيير مجريات تنفيذ مراحل سير خطة الهجوم وتغيير الواقع الميداني وإستنزاف القوى الروسية وإحتواء زخم الهجوم الأولي العنيف وإيقاع أكبر الخسائر في القوى الرئيسية التي ركزت هجومها الأعنف على المواقع الاستراتيجية العسكرية الهامة في المدن والمنشآت الحيوية الهامة.
والمؤشرات الميدانية تدل على أن الهجوم الروسي اصبح يُنفذ بحذر نتيجة الخسائر التي مُنيت بها القوات الروسية وخاصة في خار كييف التي أنسحب منه الروس ، لربما من أجل إعادة التجميع .
إن إنسحاب القوات الروسية من جبهات بوتشا وإربين وغوستوميل و سومي وخاركييف باتجاه الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية ما هو إلا إنسحاب المهزوم جاء وفق مبدأ (البحث عن دفاتر تالفة)
وصحيح أن الأمريكان والأوربيون والناتو موحدين تجاه العدوان الروسي على أوكرانيا ويفرضون عقوبات شديدة على روسيا ويبدوا أنهم على ما يبدوا ليسوا في عجلة من أمرهم فإن بايدن يتحرك ببطئ متعاميا عن مصلحة أمريكا وقوتها ومكانتها التي ستصبح في الحضيض إذا ما أستطاع الروس عزل كييف بالهجوم البري الذي يتقدم من أربع إتجاهات والذي أُرسل في طليعته المخربين ليكونوا اول من يدب الفوضى في المدينة ويقومون بالاشتباك مع الجنود بالرشاشات والأسلحة الخفيفة ،وبهذا يكون الحلفاء قد تأخروا كثيراً عن مؤازرة اوكرانيا.
أما على صعيد العقوبات فإن فرض عقوبات على روسيا من خلال سويفت (القنبلة النووية الإقتصادية) وحجز الأموال على البنك المركزي كل هذا لا يكفي ، فالأهم لدى أوكرانيا الأن هو الدعم الحقيقي الفاعل بالأسلحة الثقيلة الفتاكة من م/د وم/ط والإحتياجات القتالية ،وتوظيف هذه المعدات التي تصل من أجل إنقاذ الأوكرانيين ومدينته كييف من التطويق والحصار ومن ثم الاٌستسلام .
محاولات بوتين البائسة بدخول كييف:
روسيا تحاول بحربها التي تشنها القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية بكل ما أوتيت من قوة باستغلال الوقت والدخول السريع الى كييف وذلك بإخراج الترسانة العسكرية الأوكرانية خارج المعركة بالسيطرة على المدن والوصول السريع الى كييف ،لتشكيل قيادة أوكرانية جديدة تدور في فلكها ،كما فعلت بالشيشان ودول أخرى من مثيلاتها ، كي تدين بالولاء الى روسيا ، هذا حسب المنظور الروسي أما كلمة الفصل فهي للأوكرانيين الذين أختاروا خيار المقاومة وهم يقاومون الى جانب رئيس البلاد الذي يعمل خادم للشعب وربط مصيره بمصيركييف واتخذ قرار المقاومة حتى أخر جندي معه
المعروف في ميزان العلم العسكري أنه لابد من توفر معطيات كبيرة وفق المنطوق التكتيكي والاستراتيجي ، فإن قرار الحرب يتطلب تقديرالموقف وحساب نسبة القوى والوسائط بين الطرفين ، ومما لاشك فيه فإن نسبة القوى ولوسائط الروسية تتفوق بالكم والكيف النوعية والدقة على القوات الأوكرانية.
لكن لابد أن نعترف بأن تقدم الروس بهذه الوتيرة ليس شرطاً على قدرتها على خرق الخطوط الدفاعية لأن اقوات الروسية اضطرت الى التراجع عن مواقع قدأحتلتها سابقا وخاصة أن الصمود الدفاعي للقوات الأوكرانية أفشل إنزالاً مظلياً في منطقة عمليات البحر الأسود والقوات الأوكرانية استطاعت من خلال تجهيزها للخطوط الدفاعية تفويت الفرصة على الروس ومنعهم من تدمير الأهداف ذات الأفضلية الأولى .
إن إعطاء بوتين أوامره لوزير الدفاع ورئيس الأركان بتجهيز قوة الردع النووي تحسبا لتدخل حلف الناتو فهذا غير صحيح بل الحقيقة أن صمود وقوة الجنود الأوكرانيون وصعوبة التقدم وإنزال الخسائر الفادحة في ارتاله المتقدمة واحتراقها على محاور التحرك . من قبل الجنود الاوكرانيين الذين تدربوا على صواريخ الــ م/د والـــ م/ط بشكل ممتاز
ولطالما بقيت القوات الأوكرانية صامدة في الدفاع عن كييف ، ولطالما أن مدينة كييف صامدة ولن تسقط ، والقوات والمتواجدة في دونباز ثابتة وصامدة وفاعلة في دفاعاتها القوية وقادرة على المناورة الواسعة التي تحميها من التطويق من قبل القوات الروسية التي تحاول التقدم على محورين من إتجاه خارسون جنوباً ومن إتجاه خاركوف شمالاً ،يستطيع المفاوض الأوكراني التمسك بثوابته وطروحاته التي يمليها في التفاوض .
الخلاصة :
في الختام لابد أن يعلم المتابع للأحداث الميدانية اليومية بأن هناك حرب سيبرانية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتقوم بتوجيه القوات الأوكرانية في أرض المعركة ويبدو أن الروس قد شعروا بدقة المناورة والتنقل و التحرك ودقة وإنتقاء الأهداف والسلاح المناسب ومتابعة التحركات الروسية وتدمير الأهداف بالسلاح المناسب وفق لتوجيه الكتروني ومعطيات وإحداثيات دقيقة والدليل على ذلك هو موسكافا .
إقرأ المزيد :