بقلم الدكتور محمد موفق السباعي ــ الوان نيوز
إن المسيحيين عموماً – إلا قليلاً منهم – يحملون في قلوبهم، وفي دمائهم، ميراث الحقد، والعداوة، والبغضاء، للإسلام والمسلمين منذ ظهور الإسلام على وجه الأرض، وبدء الدعوة إليه، على يد رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك إخوانهم اليهود، والمشركون، يعادون الإسلام، والمسلمين.. بل هم أشد عداوة من غيرهم حسب تقرير الله العليم الخبير ( لَتَجِدَنَّ أشَدَّ الناسِ عَداوةً للذين آمنوا، اليَهُودَ والذين أشْرَكوا ) المائدة 82.
وهل يمكن أن ننسى الحروب الصليبية، التي دامت حوالي المائتين وسبعين سنة على الشام، أو ننسى إخراج المسلمين من الأندلس، بالمكر، والخديعة، ونقض العهود، المتجذرة في دمائهم، وخاصة ضد المسلمين، ثم محاكم التفتيش، وقتل المسلمين بطرق جهنمية، شديدة القسوة، أو ننسى الحملات الاستعمارية لبلاد المسلمين منذ القرن السادس عشر وإلى اليوم.
فأهل الصليب! لا يمكن بأي شكل من الأشكال، أن يرضوا عن المسلمين، أو أن يدافعوا عنهم! وكيف يدافعون عنهم، وهم ينظرون إليهم على أنهم أعداءهم.
وقوف العالم المسيحي ضد الثورات المسلمة
فها هم! وقفوا ضد الثورات العربية المسلمة، التي حدثت في بداية العقد الماضي، في خمسة بلدان عربية، وعملوا بكل مكر، ودهاء، على إفشالها، وتخريبها، وتشويه سمعتها، وخاصة الثورة السورية.
وخدعوا، وضللوا السوريين، ومنوهم، ووعدوهم، بأنهم سيتدخلون، لحمايتهم من إجرام الأسد، والدب الروسي، الذي احتل سوريا منذ 30 / 9/ 2015 ولكن لم يفعلوا شيئاً.
بالمقابل! سارع كل العالم المسيحي، لنصرة أوكرانيا المسيحية، ومدها بالأسلحة، والمعدات الحربية النوعية، وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، منذ الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا.
ولذلك أبدى السوريون، حسرتهم، وتألمهم، وتوجعهم، حينما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، واعتبروا أن العالم المسيحي، يتعامل مع الناس، بازدواجية متناقضة، وأنهم عوملوا معاملة سيئة من العالم المسيحي طوال إحدى عشرة سنة، حيث تركوهم لوحدهم يتلقون الضربات، ويتعرضون للمجاز الكيماوية، وسواها، مع الوعود الكاذبة، والأماني المعسولة بأنهم لن يدخروا وسعاً في نصرتهم.. وإنهم لكاذبون، بينما عومل الأوكرانيون المسيحيون، بكل الحب، والود، والتأييد، والدعم اللامتناهي.
فاعتبروا ذلك: أن العالم المسيحي، لا عهد له، ولا ذمة، ولا وفاء، ولا استقامة، وليس عنده أي قيم إنسانية، أو أخلاق، وأنه يكيل بمكيالين.
من أجل ذلك! يردح بعض السوريين الطيبين، ويتأوهون، ويتشكون، ويندبون سوء حظهم؛ لعدم حصولهم على الأسلحة النوعية؛ ولعدم وقوف المجتمع الدولي إلى جانبهم، كما وقف الآن إلى جانب أوكرانيا؛ وقام بتزويدها بالأسلحة النوعية الضرورية؛ لمواجهة الغزو الروسي.
وأخذ المغفلون منهم، والذين لا يدركون، ولا يعرفون حقيقة العداء المستشري في دماء المسيحيين تجاه المسلمين، يستجدون، ويتسولون، أوكرانيا النصرانية، أن ترسل لهم بعضاً، من صواريخ ستينغر، وبعضاً من الصواريخ المضادة للدروع، والدبات.
وكأن أوكرانيا، هي أخت سوريا، أو بنت عمها، أو هي جارتها!
في الوقت الذي تقف فيه الدول المجاورة لها، مع ما تربطها من علاقة الدين، وغيرها من العلاقات، موقف الرفض الكامل؛ لتزويدها بالسلاح النوعي! بل موقف العمل المستميت على القضاء على الثورة السورية.
وغفل هؤلاء المساكين! عن حقيقة جوهرية وهي:
أن هذا مجتمع نصراني، لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال، أن يقف إلى جانب المسلمين إطلاقاً، بل هو معادٍ لهم. فهل نسينا الغزو الصليبي الذي دام أكثر من 260 سنة لبلادنا؟
فهو يتعاضد، ويتكاتف، ويتعاون مع الدول النصرانية حصراً.
وبما أن أوكرانيا دولة نصرانية.. فستتلقى كل المساعدات من المجتمع النصراني تلقائياً، وبسهولة بالغة.
ولذلك! فإن هذا المجتمع النصراني، لا يستحي من الكيل بمكيالين، ولا يخجل من تعامله بشكل عنصري مع مسلمي سوريا، والاستخفاف بهم، والاستهانة بحقوقهم الإنسانية، بل واحتقارهم، وازدرائهم، والتفريق بين سوريا وأوكرانيا.
حظ سوريا السيء
هذا أمر! والأمر الآخر الأكثر أهمية هو: أن حظ سوريا، أن يكون موقعها الجغرافي، مجاوراً، ومتلاصقاً لموقع الكيان الصهيوني.. وهذا يحتم على المجتمع النصراني المؤيد له بشكل مطلق، أن يرفض رفضاً قاطعاً وباتاً، مساعدة مسلمي سورية، بأي نوع من الأسلحة، التي تمكنهم من القضاء على نظام بشار، الحارس الأمين للكيان اليهودي، أو تمكنهم من إخراج الروس من أرضهم .
ولا أدل على ذلك! أن جميع العقوبات الاقتصادية المزعومة ضد النظام الأسدي، بما فيها نظام قيصر، لم تتضمن حتى الآن.. منع النظام من استخدام سويفت، الذي طُبق على روسيا بسرعة رهيبة.
فلماذا لم يطبقه المجتمع النصراني، على النظام الأسدي، ويمنعه من التحويل المالي الخارجي، ويصيبه في مقتل؟!
وقد كتب أحدهم: يطلب من الغرب التدخل في سوريا؛ للقضاء على القوات الروسية التي، دعمت المجرم بشار..
ولكن للأسف الشديد! هذه أمنيةٌ مستحيلةُ التحقيق.. كأمنية إبليس في دخول الجنة.. فهي مُعارضة، ومُعاكسة للنظام الغربي، ولتوجهاته المبدئية تجاه الإسلام، والمسلمين، حتى ولو كانوا لا يلتزمون بتعاليم الإسلام، ولا يخضعون لأحكامه في كل شؤون حياتهم..
إنها قاعدةٌ أساسيةٌ، ورئيسيةٌ – إذا لم يدركها حتى الآن أحدٌ من السوريين؛ فليطمرْ نفسه تحت التراب، ولا يتحدث إلى الملأ نهائياً .
العالم المسيحي لا يقبل بسقوط نظام بشار
الغربُ لا يريد؛ بل لا يقبلُ – بأي شكل من الأشكال – سقوط ، وتحطم، وزوال النظام الأسدي.. أو خروج روسيا من سوريا.. لأنها دخلت بموافقة دولية، وخاصة موافقة أمريكا…ولا يقبلُ أن يَحِلَ محله نظامٌ آخر- فيه شيءٌ من الحرية، مع وجود الاستبداد، والطغيان -..
هذا الكلامُ هو حقيقةٌ، قطعي الدلالة، ويقيني الواقع المحسوس، والملموس.
فالذي لا يلمسُه، ولا يُحسُه.. هو أعمى البصيرة، مختومٌ على قلبه، بغشاوة سميكة.
إنه كلامٌ فصلٌ، وليس بالهزل.. من لم يلم يدركْه حتى الآن، وبعد إحدى عشرة سنة.. فليس لديه من الوعي السياسي، شيء.. ولا أبجديات السياسة، مثقال ذرة من خردل …
وهو إنسان جاهلٌ، وأميٌ.. يكتب للتسلية، ولحب الظهور..
ودليلُ صدق هذا الكلام اليقيني، قول الله تعالى: ( ولن ترضى عنك اليَهودُ ولا النَصارى، حتى تتبعَ ملتَهُم )…
قولٌ حقٌ، لا مزايدة عليه البتة… إضافة إلى قوله تعالى: ( كيفَ وإنْ يَظهروا عليكم، لا يَرقُبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة ً، يُرضُنونَكُم بأفواههم، وتأبى قُلوبُهم ، وأكثرُهُم فاسقونَ )..
حتى إنهم لا يرضون، بل لا يقبلون للمسلمين، أو الذين لديهم مسحة خفيفة من الدين، أن يحكموا الشام، إطلاقاً..
قد يسمحون لهم، بحكم بلد آخر فيه مسلمون..
أما الشامُ! فمحظورٌ عند الصهيوصليبية.. أن يصل شخصٌ ما، أو جماعةٌ مسلمةٌ ما.. إلى الحكم..
تعرية العالم المسيحي
لقد تمكنت الثورة السورية، التي انطلقت منذ إحدى عشرة سنة، والحرب الأوكرانية، التي انطلقت منذ أحد عشر يوماً، أن تكشف، وتُعرِّي، وتُظهر، وتُبين بشكل واضح، لا غبش فيه.. طبيعة هذا العالم المسيحي المنحاز انحيازاً كاملاً نحو الدول، والشعوب المسيحية، والمدلس، والمخادع، والمضلل، والكاذب الذي يدعي شيئاً ويعمل شيئاً آخر مناقضاً له.
فهو يدعي، بل قام بحروب طاحنة، وقتل الملايين من المسلمين، زاعماً أنه يريد تمكين الشعوب المسلمة، من التحرر من الطغيان، والاستبداد.. والحصول على الحرية، والديموقراطية – بالرغم من لنا تحفظات حول المصطلح الأخير –.
ولما أراد المسلمون في الشام، الحصول على ما زعموا، وقفوا ضدهم، وأخذوا يتهمونهم بالإرهاب، وانطلقوا يشنون حرباً شعواء، بالتعاون مع القيصر الروسي، والنظام الأسدي، على كل مسلم باسم محاربة الإرهاب.
فالرضيع إرهابي، والطفل الذي يذهب إلى المدرسة؛ ليتعلم إرهابي، والمعلمة والمعلم إرهابي، والبائع في السوق إرهابي، والمقاتل الذي يحمل السلاح؛ ليدافع عن أهله، وعرضه، إرهابي، والذي يُضحي بنفسه في عملية استشهادية، إرهابي، والذي يدعو إلى التطوع، وتشكيل فرق لتدافع عن الأرض، إرهابي، والصحفي، والإعلامي، والكاتب، والشاعر، وحتى المغني، الذي يتغنى بأغاني حماسية، إرهابي.. بل حتى ولو انعزل المسلم في بيته، وأغلق عليه بابه، فهو إرهابي أيضاً.
بالمقابل! المسيحي الأوكراني، له الحق كل الحق في حمل السلاح، والدفاع عن وطنه، وتشكيل فرق متطوعين، والقيام بعمليات انتحارية، والدعوة إلى تجنيد كل من يريد القتال من داخل أوكرانيا، أو خارجها.
فهؤلاء كلهم ليسوا إرهابيين، وملكة جمال أوكرانيا ( انستاسيا لينا ) تتطوع، وتحمل السلاح، وتظهر صورتها على جميع وسائل الإعلام. فهي ليست إرهابية، بل وطنية تدافع عن وطنها.
هذا هو العالم المسيحي الزائف، المزيف، الذي يتعامل مع البشر – وبالأخص المسلمين – بمعايير مزدوجة ومتناقضة.
7 شعبان 1443
10 آذار 2022
إقرأ أيضاً : من علامات عدم الصّحة تقديم المبررات
إقرأ أيضاً :مشكلة وليدة وليست تليدة