سوريا الفارغة المثقلة بالحروب :
سوريا الفارغة إلى سوريا المجوفة إلى سوريا المهددة بالانقراض في سبتمبر أيلول 2015، ولكن سوريا التي نعرفها منذ سايكس بيكو حتى 2015 هي سوريا المجوفة، الفاقدة لحدودها التاريخية والتي تحولت شيئاً فشيئاً إلى قن ومزرعة عائلية، وبالتدخل الخارجي والعوامل الداخلية وصولاً للثورة، انكشفت تلك الدولة المجوفة القائمة على العلاقات التراتبية والوظيفية للدولة وتراث إعلامي وتحية علم منذ الاستقلال السوري، ففي عهد الانتداب الفرنسي تقسمت سوريا مرات ومرات وقبلها في العهد العثماني كانت سوريا عدة ولايات منها ولاية سوريا وولاية حلب وولاية الزور وولاية ديار بكر، وفي عهد الانتداب تحولت لسوريا الفرنسية وسوريا الانكليزية أي القسم الشمالي والقسم الجنوبي، ثم جاء وعد بلفور وقضم فلسطين وتشكلت إمارة شرقي الأردن، بينما الشمالية لم تأخذ شكلها إلا بعد الاستقلال السياسي عام 1936 وتوحيد كل من دولة حلب ودمشق والعلويين وجبل الدروز، فيما تم الاتفاق على إبقاء دولة مجوفة أخرى هي لبنان الكبير وقضم لواء اسكندرون وكيليكيا. لكن القضم لم يتوقف فبعد الاستقلال قضم الكيان الصهيوني سهل الحولة وقرى حول طبرية وسميت بالمناطق المتنازعة، وفي عام 1967 سقطت الجولان والجزء الأهم من جبل الشيخ للسيطرة على منابع المياه في وسط بلاد الشام.
ثم جاءتنا عائلة الأسد التي استكملت دورها التدميري والأدوار الوظيفية، لتتحول سوريا اليوم لسوريا الفارغة والدولة المهددة بالانقراض.
مفهوم الدولة الفارغة :
كما ذكرت لم تكن سوريا في السابق إلا دولة مجوفة تحكمها الدولة الأمنية وبالقوة يتم فرض القانون وضبط الحدود، والعملة الموحدة والعلم والانتساب للأمم المتحدة وماسمي في الوطن العربي بالدول القطرية.
أما الدولة الفارغة السورية فقد تأسست عدة دول وجيوب ودويلات في سوريا منذ اندلاع ثورتها لتكون بذلك دولة فارغة بمفهوم عديمة الاستقرار، ومن هذه الدول أو الدويلات التي نشأت واختفت مثل دولة داعش التي كانت مساحتها تعادل مساحة البرتغال وضمت المنطقة الشرقية للفرات والبادية السورية والموصل إلى أن اندثرت بعد أربعة أعوام من قيامها 2014-2018. وبسبب تحالف دولي ضم أكثر من ستين دولة، فيما تم بالمقابل التغاضي عن نظام الأسد الذي لم يتورع عن استخدام السلاح الكيماوي مرات ومرات ضد شعبه منذ مجزرة الغوطتين الكيماوية عام 2012.
ثم دويلة سوريا الديمقراطية بمفهومها الشوفيني الكردي وبشقيها الشرقي أي شرق الفرات والغربي أي عفرين وقد اختفى الجزء الغربي بعد عملية غصن الزيتون التركية وتم تهديد ولا زال الجزء الشرقي منها بسبب عامل الضغط العسكري التركي في راس العين وتل أبيض وعامل الضغط الديمغرافي العربي لاسيما في دير الزور التي يشكل العرق العربي فيها نسبة المائة بالمائة، وبالتالي يصعب على دويلة أو كيان كردي تفريغ كامل سكانها العرب، وما يبقي هذه الدويلة هو مجموعة التحالفات تحت الطاولة والتفاهمات مع النظام السوري في دمشق والروسي والإيراني من جهة والتواجد العسكري الأمريكي شرق الفرات، لقطع الطريق على التمدد النفطي الإيراني وهو يتقاطع مع الغاية الروسية في منع وجود خط غاز إيراني عبر سوريا إلى أوروبا.
أما الدولة الفارغة الثالثة فهي دويلة الأسد ذاتها، والتي تضمنت ما أسمته روسيا آنذاك سوريا المفيدة والغريب أن الفائدة الفعلية من الناحية الاقتصادية في سوريا هي منطقة شمال وشرقي الفرات التي تضم النفط والغاز والقمح، ولكن المفيد للروس والمفهوم الروسي هو وجود موطئ قدم لهم على الساحل السوري وفي البحار الدافئة وهو موضع استراتيجيتهم.
والدويلة الفارغة الرابعة هي المنطقة الشمالية الغربية من سوريا وتحت الرعاية التركية وأقرب لشكل قبرص الشمالية واليونانية، فالعالم لازال يعترف بنظام دمشق فيما ينكر الائتلاف السوري رغم تعاطفه الشكلي على الأقل معهم. وحتى هذه الدويلة تنقسم لقسمين قسم تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلاموية للغرب أي إدلب والجيش الوطني للشرق أي عفرين.
المفهوم الأساسي في الدولة السورية الفارغة هو إفراغ سوريا من نصف شعبها على الأقل والذين توزعوا لاجئين في الدول المجاورة لسوريا وأوروبا والعالم. والذي سبب أزمة لاجئين عالمية لم يتم وقفها لليوم بسبب استمرار نظام الأسد في الحكم.
سوريا الفارغة إلى أين؟
ربما بلقنة وصوملة الوضع السوري وحتى عرقنته، لن تجدي نفعاً لأسباب كثيرة منها كثافة الوجود العربي في كافة الأرجاء السورية رغم افراغها، وأيضاً هيمنة الطائفة السنية في مواجهة التفريغ الديموغرافي الشيعي الفارسي، وعدم وجود كثافة كردية على سبيل المثال شمال شرقي سوريا وهم عبارة عن أحزمة محيطة لا مركزية أو جزر متفرقة، وكذلك عامل اللغة العربية وبعيداً عن التنظيرات، ربما يتم فرض الأمر الواقع المؤقت في بيئة متحركة غير صلبة بالأساس، واستمرار وجود كيانات مجوفة ربما تستمر لأعوام مع انعدام الاستقرار واستمرار الحرب والصراعات الداخلية والخارجية على الأرض السورية بمفهومها المجوف، وربما مفهوم “سوريا الفارغة” أو “سوريا المهددة بالانقراض” وكذلك معها لبنان والعراق، قد تؤدي بالنهاية لمشروع أيزنهاور التاريخي بما يسمى “الهلال الخصيب” كحل لإعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية. ولو أنه يبدو اليوم حتى هذا مجرد حلم بعيد المنال.
إقرأ المزيد :