مع تقدم التكنولوجيا وظهور أنماط حياتية جديدة مثل التسويق الإلكتروني وطرق التعليم العصرية، انزلق دور الوالدين من القيادة والتوجيه إلى أداء وظيفي بحت. أصبح الوالدان يُقيمان نجاحهما بقدرة أبنائهما على تحقيق الرفاهية المادية بدلاً من السعي إلى غرس القيم والمعرفة. هذا التحول يعكس تحدياً ثقافياً خطيراً يهدد النسيج الأسري والقيم الإنسانية العريقة.
تأثير العزلة الإلكترونية على الروابط الأسرية
تُشجع الثقافة الرقمية الجديدة على العزلة والانكفاء، حيث ينشغل كل فرد بجهازه الذكي لتحقيق أهدافه الخاصة. أدى ذلك إلى تقليص التواصل الفعلي داخل الأسرة، مما يعمق الإحساس بالاغتراب. بدلاً من تقوية الروابط بين الأفراد، باتت الأسرة تُدار كمنظومة اقتصادية تهدف فقط إلى تلبية الرغبات المادية دون التفكير في البناء النفسي والمعرفي للأبناء.
فقدان الأولوية للبناء القيمي والمعرفي
كانت الأسر سابقاً تتبنى أدواراً قيادية تُركز على بناء الشخصية وتعزيز القيم. أما اليوم، فقد أصبحت الأولوية لإشباع الاحتياجات المادية على حساب غرس المبادئ والأفكار. ومع هذا التغيير، نجد أجيالاً تبحث عن الجمال بما تأخذ لا بما تعطي، متجاهلة أهمية العطاء كقيمة أساسية لتماسك المجتمع واستدامته.
استلهام الدور القيادي من السيرة النبوية
لعلنا نجد درساً مهماً في قصة الصحابي عبد الله بن عمر مع والده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. كان عبد الله قد طلب الإذن للالتحاق بالجهاد، إلا أن عمر فضّل أن يبقى ابنه إلى جانبه لتعلم أمور الدين والإدارة. لم يكن ذلك من منطلق الاستحواذ، بل لإعداد عبد الله ليكون نموذجاً صالحاً. يعكس هذا الموقف الدور القيادي للأب في تشكيل شخصية الابن، وإعداده ليكون قادراً على تحمل المسؤولية بقيم متينة.
كيف نستعيد الدور القيادي للوالدين؟
إعادة الأولوية للقيم: يجب أن يدرك الوالدان أهمية بناء القيم جنباً إلى جنب مع تأمين الاحتياجات المادية.
تعزيز التواصل: تخصيص وقت يومي للحوار مع الأبناء بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية.
القدوة الحسنة: ينبغي أن يكون الوالدان قدوة في أفعالهم وأقوالهم ليتمكن الأبناء من استلهام القيم منهم.
الاهتمام بالمعرفة: تشجيع الأبناء على القراءة والنقاش البناء لتوسيع مداركهم.
التوازن بين المادة والمعنى: تعليم الأبناء أهمية العمل من أجل المال، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب المبادئ والقيم الإنسانية.
الخاتمة
إن استعادة الدور القيادي للوالدين ليست مجرد رغبة، بل ضرورة اجتماعية وأخلاقية. علينا أن نتبنى منهجاً يوازن بين تحقيق الرفاهية المادية وتعزيز القيم الأخلاقية والمعرفية، مقتدين بسير الصحابة الكرام الذين جمعوا بين النجاح الدنيوي والروحي في بناء أسرهم ومجتمعاتهم بذلك يمكننا أن نضمن جيلاً يحمل مشاعل القيم والأفكار النبيلة .
إقرأ المزيد :