المعارضة السورية واستحقاقاتها

تعاني المعارضة السورية، سواء في تركيا أو في الشمال السوري، من أداء هزيل لا يتناسب مع التحديات الكبيرة التي تواجهها. بعد سنوات طويلة من الصراع، يتزايد الشعور بخيبة الأمل لدى السوريين نتيجة لضعف المعارضة وتشرذمها، وغياب قدرتها على تحقيق أي تغيير حقيقي. تتطلب هذه المرحلة الحساسة إعادة النظر في بنيتها وأدائها، وإجراء تبديلات جذرية لضمان قدرة المعارضة على تحمل مسؤولياتها واستحقاقاتها.

ضعف الهيكلية التنظيمية والافتقار إلى الاستراتيجية

المعارضة السورية واستحقاقاتها

من أهم نقاط الضعف في المعارضة السورية هو غياب هيكلية تنظيمية قوية، حيث تفتقر الكثير من الفصائل السياسية والعسكرية إلى قيادة مركزية واضحة ورؤية استراتيجية موحدة. يتسبب هذا التشتت في ضعف قدرتها على التنسيق بين مختلف القوى الفاعلة، وهو ما ينعكس سلبًا على أدائها العام في مواجهة النظام السوري أو إدارة المناطق التي تسيطر عليها.

هذه الفوضى التنظيمية تعزز الانقسامات داخل صفوف المعارضة وتضعف قدرتها على استقطاب الدعم الدولي. في المقابل، يتطلب الوضع الراهن إصلاحات هيكلية جذرية، بما يشمل توحيد الصفوف تحت قيادة موحدة، ورسم خطط واضحة تشمل مختلف جوانب العمل السياسي والعسكري والمدني.

فشل في تقديم خدمات مستدامة في الشمال السوري

تعاني المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري من نقص كبير في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، إضافة إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية. لم تتمكن المعارضة من بناء مؤسسات قوية أو توفير حلول مستدامة لتلك الأزمات، مما يزيد من حالة الاستياء لدى السكان المحليين ويفتح المجال أمام الفوضى.

بدلاً من ذلك، تركز الكثير من الفصائل على المكاسب الفورية أو النفوذ العسكري، دون النظر إلى أهمية بناء دولة قادرة على توفير احتياجات مواطنيها. إذا أرادت المعارضة استعادة ثقة الشعب، فإنها بحاجة إلى تعزيز قدراتها في تقديم الخدمات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في المناطق التي تسيطر عليها.

التبعية الخارجية وتعدد الأجندات

التدخلات الخارجية تلعب دورًا كبيرًا في ضعف المعارضة السورية، حيث تعتمد الكثير من الفصائل السياسية والعسكرية على الدعم الخارجي، سواء من تركيا أو من دول أخرى. هذه التبعية جعلت المعارضة أسيرة لأجندات متعددة تختلف عن تطلعات الشعب السوري. تسببت هذه الأجندات في تضارب الأهداف بين الفصائل وعدم قدرتها على تحقيق رؤية موحدة للصراع والمستقبل السياسي للبلاد.

المطلوب هو تقليل التبعية للخارج والاعتماد على القيادة المحلية التي تنبع من رغبات الشعب السوري. يجب أن تسعى المعارضة إلى التحرر من القيود الخارجية والتركيز على بناء أجندة وطنية، تتوافق مع أهداف السوريين في تحقيق العدالة والحرية والكرامة.

الحاجة لتبديل جذري في القيادة

أحد أبرز المشكلات التي تواجه المعارضة السورية هو عدم قدرتها على تقديم قيادات جديدة تحمل أفكارًا وإستراتيجيات جديدة. بقاء نفس الوجوه على الساحة السياسية لفترة طويلة أدى إلى جمود في الرؤية وانعدام الإبداع في التعامل مع الأزمات. كما أن الكثير من هذه القيادات تفتقر إلى النزاهة أو الكفاءة التي تمكنها من قيادة عملية تغيير حقيقية.

إن المرحلة المقبلة تتطلب جيلًا جديدًا من القادة، يحمل رؤية مستقبلية تعتمد على الحوار والمصالحة وبناء دولة مؤسسات. هؤلاء القادة يجب أن يتمتعوا بقدرة على إدارة الأزمات واستعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي على حد سواء.

خاتمة

الأداء الضعيف للمعارضة السورية في تركيا والشمال السوري يتطلب مراجعة شاملة وتغييرات جذرية. يجب على المعارضة أن تدرك استحقاقاتها في هذه المرحلة المصيرية، وأن تعمل على تحسين هيكليتها، وتقديم خدمات أفضل للأهلنا في الشمال السوري، والابتعاد عن التبعية الخارجية. التغيير في القيادة والنهج هو السبيل الوحيد لاستعادة المعارضة لدورها الفعّال في مواجهة النظام وتحقيق تطلعات الشعب السوري.

بقلم م . خالد عبدو

إقرأ المزيد :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *