بقلم الدكتور محمد عفيف القرفان
اختر سيارتك اليوم وستجدها في الطرقات:
هل حصل أن اشتريت سيارة جديدة، وبعدها بدأت تشاهد ذلك الموديل من السيارة كثيراً وأنت تقود على الطرقات؟ نعم، لقد تم جذب هذا النوع من السيارات إلى دائرة اهتمامك، علماً أنه لم يكن يعني لك شيئاً في السابق.
هذا الأمر يحصل معنا كثيراً سواء على مستوى عبارات نرددها أو مواقف نستذكرها أو أماكن معينة أو أشخاص بعينهم، لأننا قد جذبنا هذا الأمر إلى دائرة الاهتمام والتركيز، تماماً وكأنك بذرتها في العقل الباطن فأصبح يركز عليها حتى وإن كنت لا تركز عليها وعياً؛ بل ربما تكون هذه الفكرة قد تم التركيز عليها وعياً ولاوعياً حتى أصبحت في مركز الاهتمام.
دعايات الشركات الكبرى وتأثيرها :
توجد إعلانات تجارية لشركات كبرى تخترق دائرة اهتمامنا عنوة من خلال تكثيف البث أو ابتكار فكرة مميزة تجعل ذلك الإعلان يحتل مكاناً في دائرة اهتمامنا، وهو أمر مدروس بعناية من أجل نجاح عملية الترويج لمنتج أو سلعة أو خدمة.
قد تلاحظ أن أموراً كانت تحتل مكانة كبيرة لديك أصبحت الآن بلا أهمية تذكر، كما أن أموراً لم تكن ذات أهمية لديك صارت في قائمة أولوياتك. الأمر لا يتعلق بالأشياء بقدر ارتباطه بطريقة نظرتنا إليها، فالتركيز على أمرٍ معين يعطيه قيمة كبيرة، والعكس صحيح.
أحد أصدقائي لم يكن يهتم بمشاهدة أفلام السينما، ولم تكن هذه الأفلام تعني له شيئاً، فهي ليست من ضمن اهتماماته ولا تستهويه أصلاً؛ فكانت بلا أهمية تُذكر بالنسبة له، فإذا حدّثه أحد عن فيلم سينمائي انخفض مستوى اهتمامه بذلك النوع من الحديث، وربما غادر المجلس لأن الأمر ليس في دائرة اهتمامه. ما حصل بعد ذلك أن صديقي شاهد فيلماً سينمائياً أعجبه كثيراً، بعدها صار يتابع ذلك النوع من أفلام “الأكشن” وبدأت تأخذ حيزاً جيداً من اهتمامه وتركيزه حتى صارت هذه الأفلام جزءاً من تركيبته الذهنية؛ حيث أصبح يتحدث عنها ويتأثر بها ويستنبط منها الدروس والعبر في حياته. والحقيقة أن اهتمام صديقي جاء نتيجة تركيزه الذهني على أفلام “الأكشن”، فأخذت مكانتها لديه نتيجة ذلك التركيز بقرار منه، فأعطاها أهمية معينة لم تكن موجودة من قبل.
طريقة نظرتنا للأمور من حولنا هي التي تعطيها الأهمية أو عدمها، من هنا كان لا بد من إعادة تقييمها بشكل دوري، حيث سنجد أشياء ارتفعت قيمتها وأخرى تراجعت طبقاً لترتيب الأولويات لدينا.
ما يتم التركيز عليه يدخل في دائرة اهتمامنا ثم يبدأ يظهر بكثرة، بل ويكتسب أهمية أيضاً، وما يتم تجاهله يخرج من دائرة الاهتمام ويصبح غريباً تماماً.
من هنا كان علينا جذب الأشياء والأحداث الجيدة، بل والأشخاص الجيدين إلى دائرة اهتمامنا، فالذي يصب اهتمامه على الخير والنمو والعطاء يجدهم في تفاصيل يومه؛ ومن يخالط الناجحين وأصحاب الهمم العالية يصبح مثلهم وهكذا..
إن الأمر ينسحب على الحزن والكآبة والشعور بالإحباط والتذمر المستمر وغيرها من منغصات الحياة، لأن الذي يشعر بالاستياء بشكل مستمر هو في الحقيقة يجذب كل ما يفسد عليه تفاصيل يومه.
نحن نعطي الأشياء قيمتها التي هي عليها، لذا كان الإدمان على شيء ما أعلى درجات الاهتمام والتعلق به، ويصل إلى حالة مَرَضية في مراحله المتقدمة. أما إذا أردنا أن نطرد “زائراً” غير مرغوب به دخل إلى دائرة اهتمامنا، فما علينا إلا أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة:
– هل هذا الشيء يقربني من الله؟
– هل يعود علي بالنفع “الصالح”؟
– هل يجعلني سعيداً مع عدم الشعور بالذنب؟
– هل يمكن إضافته إلى قائمة الاعتزاز لدي؟
– هل يجعلني شخصاً أفضل؟
إذا كانت إجابة هذه الأسئلة (لا)، يصبح قرار الطرد من دائرة الاهتمام جاهزاً، ومع الوقت نبدأ بتجنب كل ما يقربنا منه حتى يختفي تماماً.
أما إذا كانت إجابة الأسئلة (نعم)، يعني أن وجود هذا الشيء في دائرة اهتمامنا أمر محمود ولا يحتاج منا بذل جهد لإخراجه منها، بل يجب علينا ترسيخ وجوده وتعزيره.
ليكن شعار السنة الجديدة التخلص من كل ما يسبب لنا تراجعاً أو ألماً أو ضيقاً أو تعاسةً، وفتح دائرة الاهتمام لكل ما يجلب لنا حسن الطالع ورضا الله سبحانه وتعالى، وهي سنة كغيرها من أيام الله لأن الفارق نحن من نصنعه.
إقرأ أيضاً :