البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الأنصاري الخزرجي النجاري. وهو أخو أنس بن مالك لأبيه. (الإصابة ١/٥٢١).
هو الوليُّ التَّقيُّ:
لم يكن البراء ذا وجاهة عند النَّاس؛ لأنه كان فقيرًا، لكنه كان ذا مكانة كبيرة عند الله، فقد كان تقيًّا، قلبه عامر بالإيمان؛ ولذا كان لله وليًّا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ [الطِّمْر: الثوبُ الخَلَق. النهاية (٣/ ٣٠٦)] لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ». (أخرجه الترمذي ٣٨٥٤)، وهو في (صحيح الجامع ٤٥٧٣).
هو البطل المجاهد:
كان البراء من الأبطال المجاهدين، والشجعان المِقدَامين، فقد شهد مع رسول الله ﷺ المشاهد كلَّها إلا بَدرًا. (الإصابة ١/٥٢١).
وكان له بطولات عظيمة يوم اليمامة:
فقد ادَّعى مُسيلمة الكذاب النُّبوة، وتابعه بنو حنيفة، وكانت له قوة ومنعة، فقد تحصَّن بنو حنيفة في حديقة لهم وأغلقوا بابها، فقال البراء: “يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَلْقُونِي عَلَيْهِمْ فِي الحديقة [وهذه تضحية عظيمة؛ إذ المُلقَى بين أعدائه سيُقْتَلُ غالبًا]، فاحتملوه فوق الْحَجَفِ [التروس]، وَرَفَعُوهَا بِالرِّمَاحِ حَتَّى أَلْقَوْهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ سُورِهَا.
فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُهُمْ دُونَ بَابِهَا حَتَّى فَتَحَهُ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْحَدِيقَةَ مِنْ حِيطَانِهَا وَأَبْوَابِهَا يَقْتُلُونَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُرْتَدَّةِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ”. البداية والنهاية (٩/ ٤٦٩).
وأدرك المسلمون البراء وقد جُرِح بضعًا وثمانين جرحًا ما بين رمية وضربة، فأقام عليه خَالِد بن الْوَلِيد شهرًا حتى برأ من جراحه. (الإصابة ١/٥٢١).
ومن مواقفه في يوم اليمامة أنه رَكِبَ فَرَسَهُ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: “يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، لَا مَدِينَةَ لَكُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ اللهُ وَحْدَهُ وَالْجَنَّةُ”.
ثُمَّ حَمَلَ، وَحَمَلَ النَّاسَ مَعَهُ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ، فَلَقِيَ الْبَرَاءَ مُحَكَّمُ الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَهُ الْبَرَاءُ فَصَرَعَهُ، فَأَخَذَ سَيْفَ مُحَكَّمِ الْيَمَامَةِ، فَضَرَبَهُ حَتَّى انْقَطَعَ. (معرفة الصحابة ١٠٧٦).
ومن شِدَّة شجاعة البراء كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: “أَنْ لَا تَسْتَعْمِلُوا الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَهْلَكَةٌ مِنَ الْمَهَالِكِ يَقْدَمُ بِهِمْ”. (المستدرك ٣/٣٥٧).
ومن شجاعته الفائقة وتضحيته العظيمة إنقاذه لأخيه أنس:
فقد كان مع أخيه أنس بن مالك عِنْدَ حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ الْعَدُوِّ، وَالْعَدُوُّ يُلْقُونَ كَلَالِيبَ فِي سَلَاسِلَ مُحْمَاةٍ، فَتَعْلَقُ بِالإِنسَانِ فَيَرْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ، فَعَلِقَ بَعْضُ تِلْكَ الْكَلَالِيبِ بِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَرَفَعُوهُ حَتَّى أَقَلُّوهُ مِن الْأَرْضَ فَأُتِيَ أَخُوهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ، فَقِيلَ: أَدْرِكْ أَخَاكَ، وَهُوَ يُقَاتِلُ في النَّاسِ.
فَأَقْبَلَ يَسْعَى حَتَّى نَزَا فِي الْجِدَارِ، ثُمَّ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى السِّلْسِلَةِ وَهِي تُدَارُ، فَمَا بَرِحَ يَجُرُّهُمْ وَيَدَاهُ، تُدَخِّنَانِ حَتَّى قَطَعَ الْحَبْلَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى يَدَيْهِ، فَإِذَا عِظَامُهَا تَلُوحُ قَدْ ذَهَبَ مَا عَلَيْهَا مِنَ اللَّحْمِ، وأَنْجَى الله عَزَّ وَجَلَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِذَاكَ. (المعجم الكبير للطبراني ١١٨٢).
ومع شجاعته كان حَسَنَ الصوت بالإنشاد:
فقد كَانَ البراء حَسَنَ الصَّوْتِ يَحْدُو بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي أَسْفَارِهِ، فَكَانَ هُوَ حَادِي الرِّجَالِ، وَأَنْجَشَةُ حَادِي النِّسَاءِ. (أسد الغابة ١/٣٦٣).
ونال الشَّهادة بعد تاريخ حافل في الجهاد في سبيل الله:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ الْبَرَاءَ لَقِيَ زَحْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَوْجَعَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: “يَا بَرَاءُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: إِنَّكَ لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّكَ، فَأَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ”.
فَقَالَ: “أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لِمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ”.
ثُمَّ الْتَقَوْا عَلَى قَنْطَرَةِ السُّوسِ، فَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا بَرَاءُ، أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، فَقَالَ: “أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لِمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَأَلْحَقْتَنِي بِنَبِيِّكَ ﷺ”.
فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ، وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا. رواه الحاكم (٥٢٧٤) وصححه، ووافقه الذهبي.
إقرأ أيضاً :