بقلم الدكتورمصطفى حامداوغلو ــ ألوان نيوز
حب الظهور والتكلف وتقمص الأدوار:
جلس أحد رموز المعارضة قبل عشر سنوات بأحد اللقاءات الخاصة وبدأ بالقول أن المندوب الأمريكي جيفري طلب منهم التريث والعمل على…. وأن وزير الخارجية داووداوغلو نصحهم ب… وأن سفير النرويج قال كذا… وأن السفير البلجيكي ارتأى كذا… و..و..
وعدد عدة لقاءات ومقترحات وتوصيات وطلبات وتوجيهات..
كان يتحدث متباهياً بلقاءه بتلك الشخصيات الهامة (!؟) وكأنه عرف جوهر المعلومة ووصل لعمق القضية وامتلك وحده طريق الخلاص والنجاة..
كل ماذكره من توصيات وتوجيهات لا تعدو سوى رؤى فردية شخصية تمتتزج أحياناً بالمصلحة الوطنية والقومية والسياسية لذلك الشخص والبلد الذي يمثله،ولا تخلو أحياناً كثيرة من المكر والوقيعة ودس السم بالعسل…
بعدها سألته أمام الجميع هل سألتم المثقف السوري والناشط السوري والثائر السوري والكاتب السوري والاكاديمي السوري والمواطن السوري هو ماذا يقول ياترى ..!!؟؟
هل قرأتم ما يكتبه حملة الأقلام من أبناء سوريا!!؟؟
أم انهم قاصرون على ان يبدو رأياً بمثل هذه الأمور!!؟
وعاجزون أن تكون لهم نظرة مستقبلية ثاقبة وهم أهل القضية وأصحاب الوجع والألم !!؟
هيهات…
فأزهد الناس بالرجل أهله وذووه :
عانت الثورة السورية ومنذ بداية انطلاقها من أمراض كثيرة ومخاطر قاتلة وعصبيات مدمرة مثل العصبية الدينية والعصبية العرقية والعصبية المناطقية واستعجال قطف الثمار والمحاصصات التي قضت على أحلام الشعوب وسبق أن كتبت عن هذه المخاطر قبل بدايتها بمقال بعنوان مخاطر على الثورة السورية.
لكن شخصية -الأنا- المتضخمة كانت هي الأبرز سلبية في كثير من المواقف والممارسات، وكانت واضحة جدا بحيث كانت تطغى على الجميع -إلا من رحم ربي- تصديقا لما يقال عن مقولة لرئيس سوريا أيام الوحدة مع مصر عندما همس الرئيس السوري شكري القوتلي في أذن جمال عبد الناصر، بعد التوقيع على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية العام 1958، قائلاً “أريد أن أسلمك ملايين السوريين نصفهم يرى نفسه أنبياء، والنصف الآخر زعماء”.
كانت هذه الأنا المرضية ولاتزال من أكبر العوائق أمام قيام اي تجمع او تكتل او لوبي او عمل مشترك للسوريين بالداخل والخارج.
فالكل يرى لنفسه الأحقية بالزعامة والقيادة والرئاسة…
لكن المفارقة الكبيرة والمؤلمة أن هذه الأنا المتضخمة تضمحل وتذب وتنهار وتنهزم أمام الغير ،أمام الاجنبي،أمام الغربي وأمام أصحاب النفوذ والوزراء والمبعوثين والسفراء ..
هذا التناقض مابين التنمر على بعضنا والانهزامية والتابعية أمام غيرنا جلب الويلات للثورة والشعب السوري بأكمله..
وضاعت كثير من الأحداث مابين الأنا المتضخمة وبين الأنا المنهزمة..
قراءة الواقع بعين الحكمة :
اليوم كل من يقول أنه متفاجيء من بعض التصريحات الجديدة والتغيرات المستجدة إما هو جاهل مغفل ، أو أنه لا يجيد قراءة الأحداث ومابين السطور ، او انه عاطفي حالم يعيش بأحلام اليقظة ، أو أنه طمر رأسه بالتراب مثل النعامة حتى لا يرى مايجري حوله..
اليوم تمر سوريا وشعبها بالداخل والخارج بمرحلة استثنائية وانعطافة خطيرة واحداث لها شرر سيطال الجميع ولن يكون أحد بمنأى من الاكتواء بنارها حتى الذين ظنوا انهم حققوا الأمن والأمان بدول المهجر الجديدة.
هذه الانعطافة تستدعي من النخب الوطنية ان تتداعى للعمل بوطنية واخلاص لانتشال شعبنا من قاع اليأس وفقدان الأمل والضياع والفوضى والوقوع تحت رحمة جلادهم الذي يترقب قتلهم وابادتهم من جديد.
اليوم السوريون بحاجة لاستعادة شخصيتهم الوطنية المستقلة..
بحاجة لتجديد انتماءهم لوطنهم وثورتهم وشعبهم ومبادئهم..
اليوم بحاجة لأن يكون شعارهم سوريا أولا ، واذا كانت سوريا ستربح فلأكن انا اول الخاسرين..
اليوم السوريون بحاجة لدعم اي شخصية وطنية بعيدا عن العصبيات الدينية والعرقية والمناطقية والمحاصصات الحزبية..
اليوم السوريون بحاجة لتحديد هدفهم من جديد وتوضيح رؤيتهم واعلان خارطتهم واعلانها بكل وضوح للعالم كله للصديق والقريب قبل العدو والبعيد..
سوريا والشعب السوري أمام منعطف خطير وخطير قد يؤدي لهلاك شعب بأكمله وضياع وطن بأكمله.
استعادة الشخصية الوطنية المستقلة ووضوح الرؤية واعلان خارطة الطريق والتجرد والإخلاص للوطن هو السبيل الوحيد لبدأ مرحلة جديدة وبث روح الأمل والتفاؤل لتخليص سوريا كلها -معارضيها ومؤيديها – من السقوط بظلام ليل دامس قد يطول عقود وقرون .
مصطفى حامد أوغلو طبيب وكاتب سياسي
إقرأ أيضاً :