بقلم الدكتور محمد عفيف القرفان ــ ألوان نيوز
ماهو الذكاء الاجتماعي :
يرتبط الذكاء الاجتماعي بالقدرة على التعامل الحسن مع الآخرين بناء على فهم المشاعر المتبادلة معهم، وهو يتشكل بناء على الفهم الجيد لمشاعرنا ولمشاعر الآخرين على حد سواء؛ وتأتي القدرة على التصرف في شتى المواقف بناء على هذه المشاعر تتويجاً للذكاء الاجتماعي الذي يمتلكه الشخص.
ربما يكون الذكاء الاجتماعي حاضراً بقوة في العلاقات المباشرة مع الناس من خلال الاحتكاك بهم وجهاً لوجه، إلا أنه يصبح أكثر تعقيداً عندما لا يتوفر هذا النوع من الاحتكاك المباشر كما هو حاصل عبر قنوات التواصل الرقمي (السوشيال ميديا). هنا يحتاج الأمر فهماً أعمق يرتبط بعدة عوامل وهي:
– فهم الآخر من خلال أسلوبه في الكتابة
– فهم معاني الرموز المستخدمة في قنوات التواصل الاجتماعي الرقمي وأشهرها الرموز المستخدمة في تطبيق الواتس أب مثلاً
– فهم الآخر من خلال الصور المعبرة التي يستخدمها
– فهم الآخر من خلال الموسيقى والأغاني والمؤثرات الصوتية التي يستخدمها في منشوراته
– فهم الآخر من خلال المواد الفيلمية التي يستخدمها
هنا يظهر نوع جديد من الذكاء الاجتماعي الذي يوصل الرسائل عبر قنوات التواصل الرقمي بطريقة تتطلب ذكاءً اجتماعياً مختلفاً عن ذلك الذي يتم بالتواصل المباشر وجهاً لوجه، وهذا ينطبق على الترجمة الصحيحة لرسائل الآخرين كيلا يساء الفهم ويؤدي إلى سوء تقدير قد يؤثر سلباً على العلاقات.
الخلاصة :
ملخص الذكاء الاجتماعي أنه يحافظ على العلاقات مع الآخرين بل ويعززها، لذا يحرص الشخص الذي يتمتع بهذا النوع من الذكاء على عدم إساءة فهم الطرف الآخر من جهة ويسعى إلى عدم إرسال رسائل تؤدي إلى سوء فهمه من جهة أخرى.
مثلاً، يوجد شخص تزعجه رسائل “صباح الخير” المتكررة يومياً ويقول ذلك للمرسل صراحةً، ولكن على الجانب الآخر سنجد شخصاً تزعجه ذات الرسائل لكنه لا يعبر عن ذلك الانزعاج فضلاً عن أنه لا يسمح لشعور الانزعاج أن يؤثر عليه لأنه سيلتمس عذراً للمرسل كأن يقول لنفسه: “يكفي أنه يتذكرني بتلك الرسالة، حتى وإن كانت رسالة جماعية!”
إن مراعاة مشاعر الآخرين رقمياً يتطلب جهداً ليس كل الناس على استعداد لبذله، وهنا سنجد أننا لدينا ثلاث فئات:
الذكي اجتماعياً رقمياً:
وهو الذي يحرص على العلاقات مع الآخرين، فيسدد ويقارب حتى لا يساء فهمه، علاوة على حرصه على عدم أخذ الآخرين على محمل الاستهتار بمشاعرهم أو الانتقاص منهم. ونجد هذا النوع دائماً ما يستخدم الرموز المعبرة مع كلماته التي يختارها بعناية.
المتحفظ اجتماعياً رقمياً
وهو الذي لا يتفاعل سلباً أو إيجاباً مع مشاعر الآخرين الذين يتواصل معهم، ويفضل الحياد وهو لا يستخدم عادة أي رموز معبرة، ونجد أن كلماته مباشرة خالية من أية مشاعر. كما أنه يفتقد إلى المبادرة في الأحاديث ويتجنب الإطالة في التواصل مع الآخرين.
غير الذكي اجتماعياً رقمياً
لا يكترث لمشاعر الآخرين من جهة ولا يتردد عن التعبير عن مشاعره مهما كانت قاسية أو مؤذية للآخرين مبرراً ذلك بأنه صريح مع نفسه ومع الآخرين.
لرفع كفاءة الذكاء الاجتماعي الرقمي يمكن مراعاة الآتي:
– يمكن استخدام لغة سهلة ومفهومة دون تعقيد عند المحادثة أو الكتابة
– يمكن تعزيز الكتابة برموز إيجابية مناسبة حسب صيغة الرسالة
– انتقاء الايموشنز والستيكرز بعناية مع مراعاة طبيعة وثقافة المرسل إليه
– عدم نشر الإشاعات
– النشر دون التأكد من صحة ما يتم نشره يظهر سذاجة الناشر
– اختيار الأوقات المناسبة للتواصل الرقمي
– تجاهل اتصالات ورسائل الآخرين ليس من الذكاء الاجتماعي خصوصاً مع من تربطك بهم علاقة وثيقة ومستمرة
– تفهم ظروف الآخرين الذين لا يردون مباشرة على الرسائل والاتصالات
– تقدير من يقومون بالرد مباشرة
– إذا كانت حالة الشخص “متصل الآن” هذا لا يعني أنه متاح وجاهز للرد
– قبول الشخص لطلب صداقتك الرقمية لا يعني أنه متاح لعلاقة من نوع ما معك
– العالم الافتراضي هو عالم مواز للواقع وليس بديلاً عنه، فلا تنقل حياتك كلها هناك لأننا بحاجة إلى التواصل على أرض الواقع فهو أعمق أثراً
– إذا أعجبتك مادة فيلمية على اليوتيوب مثلاً، فهذا لا يعني أن تعجب جميع الناس
– لا تأخذ كل ما يكتب أو ينشر على محمل الجد والتصديق، فهنالك أناس يعبثون وآخرون يتسلون وغيرهم يناكفون..
– لا تتأثر سلباً بكمية الإحباط الموجودة على السوشيال ميديا، فما يمر به البعض لا يعنيك ولا يمثلك على أية حال
– كما يوجد متسولون على أرض الواقع يوجد متسولون رقميون، فقط كن فطناً، والتسول ليس مقتصراً على المال، فهنالك من يتسولون الاهتمام أو التعاطف أو الإعجاب أو التقدير
– انتبه من الاحتيال الرقمي ولا تتفاعل مع الابتزاز الرقمي بأي حال من الأحوال
– عند انضمامك للمجموعات الرقمية، شارك بإيجابية أو اكتف بالصمت
– ما يقوم بنشره الناس من حياة مثالية ليس هو حالهم الدائم، هو فقط ما يريدون نشره وعرضه على الملأ
– ليس كل مشهور رقمياً يتمتع بذكاء اجتماعي رقمي وليس كل من لديه ذكاء اجتماعياً رقمياً مشهور رقمياً
يبقى الحديث هنا عن كل شيء يتعلق بالعلاقات الإنسانية بعيداً عن التوجهات الفكرية والتيارات السياسية والدينية وغيرها من الأمور التي يمكن أن تثير حفيظة المتلقي، لأن الانحياز يعني أن هنالك من سيختلف معك بالضرورة، فما بالك بالتطرف والتشدد تجاه فكرة معينة، إلا إذا كان ذلك لهدف علمي أو بحثي. وبمعنى آخر، يمكننا إطلاق تسميات جديدة مثل “المروءة الرقمية” و “الشهامة الرقمية” و “اللباقة الرقمية”..
قصة للقياس:
هي قصة متداولة كثيراً عن سيدة طلبت من ابنها أن يذهب ويطلب من الجيران -ذوي الحالة المادية المتواضعة- قليلاً من الملح، فقال الولد لأمه باستغراب بأنه اشترى لها كيساً من الملح منذ يومين ولم ينفذ بعد، فأجابته الأم بأنها تطلب الملح من الجيران ليس لحاجتها له، ولكن لكي ترسل رسالة لجيرانها بأنها بحاجة لهم وبالتالي يستمرون بطلب حاجات منها دون حرج.
هذه السيدة تمتلك ذكاءً اجتماعياً رفيع المستوى.
سؤال..
هل يمكن محاكاة هذه الحادثة رقمياً؟
إقرأ :