بقلم الدكتور سعد النزيلي ــ ألوان نيوز
في الحقيقة نحن نواجه أسباب التطرف الفكري، فكر يردّ المحكمات، وفكر يأخذ بالمتشابهات:
▪️ أما أصحاب الفكر الأول، وهو الذي يردّ المحكمات، فهو الفكر الذي يلغي العمل بالسنّة، ويقدّم العقل -على زعمه- فيجعل عقله، ولا أقول العقل؛ وإنما عقله هو – والذي طوله كعرضه- حاكما ومعدّلا ومصححا للقرآن ولأحاديث النبي-صلى الله عليه وسلم- ويردّ الأدلة المحكمة من الكتاب والسنّة الدالة على وجوب الأخذ عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قولا وفعلا، وهذا الفكر لا شك أنه متطرف، ومصادم للدين وللثوابت وللعقل أيضاً، وغالب أصحاب هذا الفكر ينحدرون وراء منظمات غربية مشبوهة، الغرض عنها النيل من الإسلام، وهدم الثوابت، وزعزعة المسلّمات، ولهذا جميع أطروحاتهم هي من قبيل التشكيك فقط، وليس عليها أثارة من علم.
▪️ وأما أصحاب الفكر المتطرف الثاني، فهو الذي يقدّم المتشابهات على المحكمات، والفرق بينه وبين أصحاب الفكر الأول دقيق، فالأول يردّ المحكم صراحة، والثاني يردّ المحكم بتستّر، وأسلوب الأول هو الردّ، وأسلوب الثاني هو التقديم، فهما يتفقان في عدم الأخذ بالمحكم، ويختلفان في الأسلوب، ما بين رادّ صراحة، ومقدّم بتستّر.
ومن أمثلة أصحاب الفكر المتطرف الثاني، قولهم بأن النبي-صلى الله عليه وسلم- قد يَظْهر على بعض الناس حقيقة يقظة، وأن الله على كل شيء قدير!!
هؤلاء المتطرفون ردّوا المحكم والصريح والذي لا يحتمل إلا وجها واحدا، ففي محكم التنزيل يقول الله تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [الزمر: 30]
هذه الآية من الصراحة والإحكام بمكان، ولا تحتمل أي تفسير آخر، وهي تدّل على الموت الذي يعرفه ويشاهده جميع الناس.
وأصحاب هذا الفكر عمدوا إلى النصوص في السنّة، والتي فيها الإشارة إلى الحياة البرزخية، أو إلى حادثة قصة الإسراء والمعراج والصلاة بالأنبياء، أي أنّ هذه في واد آخر، وجعلوها -على حسب مزاجهم- أنها تدّل على الحياة المعروفة، ولهذا قالوا بالحضرة وبالتجلي وبالمشاهدة، وأهملوا الأخذ بالنص المحكم في أن النبي-صلى الله عليه وسلم- ميّت!
وعلينا أن ندرك أن الحياة البرزخية تختلف عن الحياة الدنيوية، وقد ذكر الله تعالى حياة الشهداء في البرزخ بقوله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 169 – 171] فإذا كان هذا للشهداء فمن باب أولى هو كذلك للأنبياء.
وثبت كذلك بالنّص أن الأنبياء في قبورهم أحياء، أي حياة برزخية.
هل الأنبياء أحياء في قبورهم ؟
فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ) رواه البزار وأبو يعلى.
وحديث أنس أيضاً عند مسلم وغيره أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (مررت على موسي ليلةَ أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره).
فالأنبياء جميعا ماتوا عدا عيسى -عليه السلام-، قال تعالى: { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ }، وأما إدريس فجاء أنه لم يمت في الإسرائيليات ولا يصّح، والمراد بالرفع في المكان العلي في قوله تعالى { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] أي أنه في السماء الرابعة.
والفرق بين الأنبياء وسار البشر، أن لأنبياء أجسامهم لا تأكلها الدود فقط، وإلا فالجميع ميت، وأحياء حياة برزخية، فعن أوس بن أوسٍ، قال: قال رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسلم -: (إن مِنْ أفضل أيامِكُم يومَ الجُمعة: فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخةُ، وفيه الصَعقةُ، فأكثروا على مِن الصلاةِ فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ” قال: قالوا: يا رسولَ الله، وكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ؟ يقولون: بَلِيت، فقال: “إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء). أبو داود
وأما صلاة الأنبياء خلف النبي صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء، لحديث أبي هريرة مرفوعا: (فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ) .رواه مسلم. ولحديث ابن عباس قال : (فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي فَالْتَفَتَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ) .رواه أحمد
فهم صلوا وراءه بأرواحهم، وأبدانهم في قبورهم، وكذلك رؤيته الأنبياء ليلة المعراج في السماء، رأى أرواحهم مصورة في صور أبدانهم .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
(وقد استشكل رؤية الأنبياء في السماوات ، مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض، وأجيب : بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفاً له وتكريماً) . فتح الباري ( 7 / 210 ) .
قلت: ولو قلنا بأن الله أحيى أجسادهم، لأثبتنا للأنبياء أيضا حادثة المعراج، وكانت هذه أيضا من جملة معجزاتهم، كونهم صلوا في البيت المقدس، ثم عرج بهم إلى السماء.
ولو قلنا بأن الله أحيى أجساد الأنبياء، لكان هذا الحدث متعلق بالنبي-صلى الله عليه وسلم- ومتعلق بمعجزته، ولا يتعدّى هذا لغيره، حيث لم يثبت في دعوة النبي-صلى الله عليه وسلم- والتي كانت مدتها ثلاثا وعشرين سنة، أنه قال لقد حضر اليوم النبي الفلاني أو الأنبياء وصلوا معنا في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي، وهما أولى بالحضور والفضل من المسجد الأقصى، فدّل ذلك على أن ما حدث في حادثة الأسراء والمعراج هي معجزة للنبي-صلى الله عليه وسلم- لا يقاس عليها غيرها.
هذا التوجيهيات على فرضية صحة القول بأن الأحياء هو للجسد والروح، وإلا فالنصوص المحكمة تدّل على أن الجميع ميت عدا عيس عليه السلام .
إقرأ المزيد :