بقلم: أحمد الصالح ـ مدير تحرير ألوان نيوز
بعد تقديم ميليشيات قسد تعهدات دولية أمام الأمم المتحدة بالكف عن جريمة تجنيد الأطفال ضمن صفوف مقاتليها، وعلى الرغم من التحذيرات الدولية التي وجهت لها بسبب هذا التجاوز الخطير الذي ترتكبه، إلا أنّ قسد بالفعل لا زالت تمارس سياسة تجنيد الأطفال وتضمهم إلى صفوفها، بطريقة احتالت فيها على تعهداتها السابقة.
كيف تقوم قسد بتجنيد الأطفال؟
تواصل ميليشيا قسد نشاطها في تجنيد الأطفال بمناطق سيطرتها شمال شرقي سورية، عبر تشكيل يدعى “الشبيبة الثورية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، الذي يعتبر أحد أهم الأذرع العسكرية لها، متجاهلة اتفاقية منع تجنيد الأطفال التي وقّعت عليها سابقاً.
مصادر صحفية متعددة رصدت مؤخراً أنّ مراكز الشبيبة الثورية كانت مراكز غير معلنة للتجنيد، وهي تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وجرى افتتاح مؤخراً مراكز علنية لها.
وأشهر هذه المراكز يقع في مدينة القامشلي بالقرب من المدخل الغربي للمدينة، ويستخدم لجمع الأطفال وتوجيههم إلى المعسكرات والإشراف على عملية تدريبهم عسكرياً ،وعلى الدروس الفكرية والمنهجية التي تعطى لهم.
من المراكز كذلك مراكز تدعى “مركز المرأة الشابة الحرة” وهذه المراكز تتوزع في غالبية المدن الرئيسية التي تسيطر عليها الميليشيا، خاصة ذات الغالبية الكردية مثل “عامودا والدرباسية وعين العرب” بالإضافة إلى مدن أخرى كالرقة والطبقة ودير الزور
ولكي تقوم ميليشيا قسد بالتملص من المسؤولية المترتبة على توقيعها اتفاقية دولية في عام 2019 يقضي بعدم المشاركة بأنشطة تدريب الأطفال عسكرياً أو تجنيدهم بأي شكل من أشكال التجنيد، فقد قامت الميليشيا بعدم تبني “الشبيبة الثورية” وهي المنظمة الأكثر تجنيداً للأطفال، وتقول قسد دائماً أنّ هذه المنظمة غير مرخصة.
ولكن ما الذي يجعل منظمة تجند الأطفال لا تملك ترخيصاً من قسد أن تعمل على أراضيها وفي وضح النهار، وتمارس التجاوزات بحق الطفولة، وتقحمهم في الصراعات العسكرية؟
ويعتبر هذا التبرير غير منطقي حيث أنّ نشاطات الشبيبة الثورية تقوم في مناطق سيطرة قسد، وإنّ التبرؤ من المنظمة لا يكفي، كما أنّ الإدعاء بأنها تتبع مباشرة لميليشيا حزب العمال الكردستاني كما تروج قسد ليست حجة للسكوت عن تجاوزاتهم.
فمن مسؤولية قسد أن تقوم بمكافحة تجنيد الأطفال وأن تلتزم بتطبيق أي منظمة أو جهة تعمل في مناطق نفوذها لاتفاقيتها الموقعة عليها، وإلا فما الفائدة من التزامات قسد ووعودها؟
تستهدف قسد عادة الأطفال الذين يعانون من مشاكل مع عوائلهم أو الفتيات اللواتي يتعرضن للتعنيف وذلك لضمان عدم عودتهم إلى أهاليهم
كما سجلت الكثير من المصادر المطلعة عمليات اختطاف نظامية قامت بها وحدات تابعة لميليشيا قسد مثل “الأسايش” ثم يتم إرسال الأطفال إلى مراكز الشبيبة الثورية التي تتولى مهمة إخضاعهم للدورات العسكرية.
وحتى معرفة الأهالي لمقر تدريب طفلهم أو طفلتهم تكون قد انقضت من مدة تدريبهم عدة أشهر، وغالبية الأطفال يرفضون العودة بعد ممارسة قسد سياسة الإغراء بالمال والسلطة المسلحة، والمخدرات، وكذلك عن طريق غسل الأدمغة وإقناعهم بأفكار انفصالية ودعوات عنصرية على أساس عرقي مما يعزز من عقيدة المقاتل للانفصال ليس فقط عن وطنه بل حتى عن بيت أهله.
أسماء بعض الأطفال المجندين عند قسد
بسبب سرية عمليات تجنيد الأطفال، وتكتم الشبيبة الثورية عن إطلاق أي تصريحات أو إحصائيات تخص عدد وأعمار منتسبيها، وكذلك لا مبالاة قسد بنشاط هذه المنظمة الإرهابية المتجاوزة لكل الأعراف الدولية التي تضمن تحييد الأطفال عن الصراعات العسكرية، فإنّه ما من طريقة للتعرف على أسماء الأطفال الذين تقوم قسد بتجنيدهم إلا من الأهالي والأنباء الواردة من داخل القرى والبلدات التي تجري فيها عملية اختطاف الأطفال الصغار وسوقهم إلى المعسكرات
من الأسماء التي تم تداولها على أنها لأطفال تم تجنيدهم من قبل قسد:
- الطفل عبد الباقي الرمو، من أبناء مدينة القامشلي وعمره 16 سنة
- الطفلة سيماف العمر، من أبناء مدينة عين العرب وعمرها 13 سنة
- الطفلة عهد أمين ، من أبناء مدينة القامشلي وعمرها 16 سنة
- الطفلة لينا خلف، من أبناء مدينة الدرباسية وعمرها 14 سنة
- الطفلة جاكلين أيوب، من أبناء مدينة عين العرب وعمرها 14 سنة
- الطفل دجوار جمعة، من أبناء مدينة عين العرب وعمره 16 سنة
مما أثار هذا الموضوع في الفترة الأخيرة هو قيام ميليشيا قسد باختطاف طفلة وسوقها إلى التجنيد الإجباري ولكن اكتشف أنها ابنة أحد القياديين الأكراد في “المجلس السوري الكردي” ما أدى إلى الإفراج عنها بعد تدخل مجموعة من الواسطات.
وخوفاً من انتشار معلومات من داخل معسكرات تجنيد الأطفال سارعت ميليشيا قسد إلى تحريك ما يعرف بـ” مكتب حماية الطفل” والذي قام بالإدعاء أنه ساهم في الإفراج عن 43 طفلاً تحت سن الـ15 من داخل “الشبيبة الثورية”
يذكر في هذا الجانب أن مكتب حقوق الطفل منذ تأسيسه في عام 2019 وإلى تاريخ اليوم قام بالمساهمة في إعادة 92 طفلاً فقط إلى أهاليهم، حوالي نصفهم خلال الشهر الحالي بعد افتضاح أمر تجنيد الشبيبة للأطفال والقاصرين.
معاناة الأهالي من سياسة تجنيد الأطفال عند قسد
يعاني الأهالي بشكل كبير من عمليات الاختطاف التي تطال أبناءهم لا سيما من يذهبون بأنفسهم إلى مراكز التجنيد بعد نشوب خلافات بينهم وبين الأهالي.
لا تعطي ميليشيا قسد معلومات دقيقة عن الطفل المفقود في مقراتها، ولا تطلع الأهالي على سجلات المجندين من الأطفال، ما يجعل مهمة البحث عن الطفل أو الطفلة عملية شاقة جداً، وإذا أسفرت عن نتيجة فإنّ الأهالي أمام خيارين:
إما أن يقوموا باستعادة أطفالهم ولكن بعد تعلقهم بقسد وتعودهم على الكثير من التجاوزات كالتربية الأخلاقية الفاسدة، والألفاظ النابية، ناهيك عن شرب الحشيش والخمر والمخدرات.
أما الخيار الثاني فهو رفض الأطفال للعودة بعد تعودهم على الجو الخاص بالميليشيات العسكرية وانخراطهم فيها، ناهيك عن الإغراءات المالية.
وما يزيد الأهالي خيبة ومعاناة أن غالبيتهم لا يستطيعون الإدلاء بأي تصريحات حول أسماء أبنائهم وأعمارهم إلى المصادر الإعلامية والصحف وذلك خوفاً من انتقام قسد.
ما هي منظمة الشبيبة الثورية الإرهابية؟
تعرف باسم “الشبيبة الثورية” أو باسمها الكردي “جوانن شورشكر”
وهي مجموعة تتألف من شباب وشابات أغلبهم قاصرون لا يتبعون شكلياً لأي من مؤسسات “قسد”،ولكن تشارك قسد بتأمين الغطاء القانوني لعملهم، وتغض الطرف عن تجاوزاتهم، ويتم غالباً تعيين قيادتهم من قبل كوادر (قادة عسكريين) ينتمون لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK).
واعتمد “حزب العمال الكردستاني” على هذه المجموعة للقيام بعمليات خطف وضرب النشطاء المعارضين لهم في سورية، وحرق مقارّ “المجلس الوطني الكردي” وتهديد المعارضين لـميليشيا قسد.
بمَ تعهدت قسد أمام المجتمع الدولي بخصوص تجنيد الأطفال
إنّ القيادة العامة لميليشيا قسد والتي مثلها آنذاك “مظلوم عبدي” أحد المطلوبين على قوائم الإرهاب في تركيا وبعض الدول الأوروبية، وقّعت عام 2019 على اتفاقية مع الأمم المتحدة لإنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة في مناطق سيطرتها في سورية، وذلك بعد انتشار تقارير كثيرة حول عمليات التجنيد.
وقالت الأمم المتحدة في بيان لها آنذاك:
” إنّ الاتفاقية نصّت على إلزام قسد والفصائل التابعة لها بإنهاء ومنع تجنيد الأطفال واستخدامهم، وإحصاء المجنّدين منهم في صفوفها ذكوراً وإناثاً لفصلهم عنها.”
وقد قامت بالفعل ميليشيا قسد في عام 2019 بإطلاق مجموعة كبيرة من الأطفال من معسكرات التجنيد كما استحدثت بأمر من التحالف الدولي “مكتب حماية الطفل” ولكن بتبعية هذا المكتب لها فقد غض الطرف عن تجاوزات قسد المتكررة وخرقها لاتفاقها مع الأمم المتحدة.
وهي اليوم ـ أي قسد ـ قد خرقت الاتفاقية بكل وضوح وتشكل غطاءً لعمليات التجنيد التي تطال الأطفال والقاصرين في مناطق سيطرتها دون أي محاسبة تطالها، إلا أنها تقوم ببعض الحركات الإعلامية كلما فُضح أمر التجنيد، ثم تقوم بالعودة للتجنيد إذا ما نسيت وسائل الإعلام الأمر.
إقرأ أيضاً :